هل سمعتم من قبل .. بقلب واسعٍ دافئٍ .. كالوطن !
أنا لم أسمع به فقط .. بل رأيته بأمّ عيني ..
قابلته .. فاحتواني !
،
(أم يوسف) .. أو كما أحبّ لساني تسميتها (أمي نورة) ..
أسرتني .. و شغلت تفكيري أيامًا عدة !
أم يوسف .. قد تكون بالنسبة للبعض .. مريضة عادية … تم تنويمها في المستشفى .. ثم خرجت .. و انتهت الحكاية ..
لكنها بالنسبة لي .. فصلاً جميلاً من فصول حياتي ..
هي بالنسبة لي .. ربيعًا .. لقلبي الذي أجدبَ منذ سنين !!
أم يوسف .. مالذي فعلته فانقلب كياني !
،
قبل أسبوعين ..
و في دوامة الدوام المُتعِبة ..
قدّر الله أن يقع في يدي تقرير لمريضة في أواخر الأربعينيات ..
صادف أن أتى ابنها إلى القسم ليطلب مني الاستعجال في طباعته ..
لاحظت اهتمامًا غريبًا منه .. و خوفًا على صحة أمه ..
تمت طباعة التقرير .. و تم إرساله ..
،
بعد يومين ..
طرأت على بالي صورة ذلك الابن المشفق على أمه ..
لا أعرف مالذي جعلني أتمنى زيارتها ..
و رؤية تلك الأم التي كان ابنها مهتمًا جدًا بها ..
طلبت من صديقتي أن ترافقني فوافقت ..
دخلنا عليها .. استقبلتنا بابتسامةٍ مُتعبة !
سألناها عن صحتها و اطمأننا عليها و مضينا !
،
و مع مرور الأيام ..
تكررت زيارتنا لها ..
و نمت علاقة غريبة جميلة بيننا !
،
شيء ما لم أذكره لكم ..
أم يوسف .. كانت مُنّومة في غرفة عزل ..
و غرفة العزل لمن لا يعرفها .. يضعون فيها المرضى المٌصابون و اللذين يُشتبه بإصابتهم بأمراض مُعدية !
و لكننا كنا نتوكل على الله و ندخل لزيارتها !
ليست هنا القضية ..
بل القصة كلها .. تدور حول تعلُق أبنائها الشديد بها !
فعندما طُلب منهم عدم زيارتها في غرفة العزل ..
أجاب ابنها الأكبر بإجابة اقشعر لها بدني ..
فقد ذكروا لي أنه قال: أمي حملتني في بطنها 9 أشهر و تحملتني .. و آتي الآن لأتخلى عنها .. آسف سنستمر في زيارتها ..
و عندما قال له الطبيب .. على الأقل البس القناع الواقي .. رفض أيضًا .. و قال: أمي لن تتحمل رؤيتنا بالأقنعة و ستتعب نفسيتها !
أيُ حبٍ هذا الذي تملك أبنائها ..
و أي حنانٍ هذا الذي أشبعته فيهم !
،
بعد هذا الموقف .. أحببت أن أقترب منها أكثر …
في نفس اليوم .. علمنا أن نتائج التحاليل ظهرت سليمة .. و أنه تمّ نقلها إلى غرفة عادية !
لكم أن تتخيلوا السعادة التي غمرتنا أنا و زميلتي ..
و قررنا سريعًا شراء باقة ورد .. و تقديمها (لأمنّا نورة) تعبيرًا عن سعادتنا !
ذهبنا سريعًا .. و نحن نفكر في الطريق ماذا سنقول !
عندما دخلنا .. كانت وجوههم تتهلل فرحًا .. استقبلونا بكل حفاوة !
قدمنا باقة الورد ..
و قالت (أم يوسف) بلهجتها العامية: هذا أفضل شي و أحب هدية إلى قلبي .. و ضمت الباقة و قبلتها ..
ياااااه كم أحسست بأن الدنيا تلونت بألوان الطيف ..
شعورٌ غريب تملكني لم أشعر به منذ زمن !
،
أم يوسف .. علمتني الكثير الكثير !
و أعطتني الكثير ! ..
ربما عرفت سر تعلق عائلتها بها !
إنه قلبها الكبير .. الذي يسع الجميع ..
،
في اليوم الذي يليه ..
تمنيت أن أنتهي من عملي بسرعة .. لأذهب لزيارتها !
ذهبت .. سلمت و سألتها عن أحوالها !
كانت لا تزال تعاني من ارتفاع درجة الحرارة !
قلت لها .. لعله خير !
قالت بلسان المؤمن: كل شيء بيد ربي ! سبحانه !
،
اليوم .. ذهبت لقسم الباطنية و كلي شوق !
و كلي حكايا خططت أن أحكيها لها ..
في الطريق .. كنت أنسق الجمل و الكلمات في خاطري !
لأنسجها .. لأمي نورة !
دخلت القسم ..
نظرت إلى السبورة كما كنت أفعل كل يوم .. لأتأكد من وجود الإسم ..
لم أجد اسم (نورة) ..
حزِنت .. و فرحت !
خرجت .. و تركت قلبي مشتاقًا !
يبحث عن وطن !